فصل: شرح الكلمات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (27- 28):

{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)}

.شرح الكلمات:

{لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق}: أي جعل الله رؤيا رسوله التي رآها في النوم عام الحديبية حقاً.
{لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين}: هذا مضمون الرؤيا أي لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين.
{محلقين رؤوسكم ومقصرين}: أي حالقين جميع شعوركم أو مقصرينها.
{لا تخافون}: أي أبداً حال الإِحرام وبعده.
{فعلم ما لم تعلموا}: أي في الصلح الذي تَمَّ، أي لم تعلموا من ذلك المعرة التي كانت تلحق المسلمين بقتالهم إخوانهم المؤمنين وهم لا يشعرون.
{فجعل من دون ذلك فتحاً قريبا}: هو فتح خيبر وتحققت الرؤيا في العام القابل.
{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق}: فلذا لا يخلفه رؤياه بل يصدقه فيها.
{ليظهره على الدين كله}: أ ي ليُعليه على سائر الأديان بنسخ الحق فيها، وإبطال الباطل فيها، أو بتسليط المسلمين على أهلها فيحكمونهم.
{وكفى بالله شهيدا}: أي انك مرسل بما ذكر أي بالهدى ودين الحق.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في صلح الحديبية وما تم فيها من أحداث فقال تعالى: {لقد صدق الله رسوله} أي محمداً صلى الله عليه وسلم {الرؤيا بالحق} أي الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بها أصحابه عند خروجهم من المدينة إلى مكة فقد أخبر بها أصحابه فسروا بذلك وفرحوا ولما تم الصلح بعد جهاد سياسي وعيسكري مرير، وأمرهم الرسول أن ينحروا ويحلقوا اندهشوا لذلك وقال بعضهم أين الرؤيا التي رأيت؟ ونزلت سورة الفتح عند منصرفهم من الحديبية وفيها قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}، وقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق فلما جاء العام القابل وفي نفس الأيام من شهر القعدة خرج رسول الله والمسلمون محرمين يُلبون وأخلت لهم قريش المسجد الحرام فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة وتحللوا من عمرتهم فمنعم المحلق ومنهم المقصر.
وقوله تعالى: {فعلم ما لم تعلموا} فأثبت الصلح وقرره لأنه لو كان قتال ولم يكن صلح لهلك المؤمنون بمكة والمؤمنات بالحرب وتحصل بذلك معرة كبرى للمسلمين الذي قتلوا اخوانهم في الإِسلام هذا من بعض الأمور التي اقتضت الصلح وترك التقال وقوله وجعل من دون ذلك فتحا قريبا الصلح فتح، وفتح خيبر فتح، وفتح مكة فتح، وكلها من الفتح القريب. وقوله هو الذي أرسل رسوله أي محمد بالهدى ودين الحق أي الإِسلام فكيف إذاً لا يصدقه رؤياه كما ظن البعض وكفى بالله شهيداً على أنك يا محمد مرسل بما ذكر تعالى من الهدى والدين الحق وإظهاره على الدين كله بنسخ الحق الذي فيه وإبطال الباطل الذي ألصق به. أو بتسليط المسلمين على قهر وحكم أهل تلك الأديان الباطلة وقد حصل من هذا شيء كبير.

.من هداية الآيتين:

1- تقرير أن رؤيا الأنبياء حق.
2- تعبير الرؤيا قد يتأخر سنة أو أكثر.
3- مشروعية الحق والتقصير للتحلل من الحج أو العمرة وإن الحلق أفضل لتقدمه.
4- مشروعية قول إن شاء الله في كل قول أو عمل يراد به المستقبل.
5- الإِسلام هو الدين الحق وما عداه فباطل.

.تفسير الآية رقم (29):

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)}

.شرح الكلمات:

{محمد رسول الله والذين معه}: أي أصحابه رضوان الله عليهم.
{أشداء على الكفار}: أي غلاظ لا يرحمونهم.
{رحماء بينهم}: أي متعاطفون متوادون كالوالد مع الولد.
{تراهم ركعا سجدا}: أي تبصرهم ركعاً سجداً أي راكعين ساجدين.
{يبتغون فضلا من الله ورضوانا}: أي يطلبون بالركوع والسجود ثوابا من ربهم هو الجنة ورضوانا هو رضاه عز وجل.
{سيماهم في وجوههم}: أي نور وبياض يعرفون به يوم القيامة انهم سجدوا في الدنيا.
{ذلك}: أي الوصف المذكور.
{مثلهم في التوراة}: أي صفتهم في التوراة كتاب موسى عليه السلام.
{أخرج شطأه}: أي فراخه.
{فآزره}: أي قواه وأعانه.
{فاستغلظ فاستوى}: أي غلظ واستوى أي قَوِيَ.
{على سوقه}: جمع ساق أي على أصوله.
{ليغيظ بهم الكفار}: هذا تعليل أي قواهم وكثرهم ليغيظ بهم الكفار.

.معنى الآيات:

لما أخبر تعالى انه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله شهادة منه بذلك أخبر أيضا عنه بما يؤكد تلك الشهادة فقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه} من أصحابه {أشداء على الكفار} أي غلاظ قساة عليهم، وذلك لأمرين الأول انهم كفروا بالله وعادوه ولم يؤمنوا به ولم يجيبوه، والله يبغضهم لذلك فهم إذاً غلاظ عليهم لذلك والثاني أن الغلظة والشدة قد تكون سببا في هدايتهم لأنهم يتألمون بها، ويرون خلافها مع المسلمين فيسلمون فيرحمون ويفوزون. وقوله تعالى: {رحماء بينهم} أي فيما بينهم يتعاطفون يتراحمون فَتَرَى أحدهم يكره أن يمس جسمه أو ثوبه جسم الكافر أو ثوبه، وتراه مع المسلم إذا رآه صافحه وعانقه ولا طفه وأعانه وأظهر له الحب والود. وقوله تعالى: {تراهم} أي تبصرهم أيها المخاطب {ركعاً سجداً} أي راكعين ساجدين في صلواتهم {يبتغون} أي يلطبون بصلاتهم بعد إيمانهم وتعاونهم وتحاببهم وتعاطفهم مع بعضهم، يطلبون بذلك {فضلا من ربهم ورضوانا} أ يالجنة ورضا الله. وهذا أسمى ما يطلب المؤمن أن يدخله الله الجنة بعد أن ينقذه من النار ويرضى عنه. وقوله: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} أي علامات إيمانهم وصفائهم في وجوههم من أثر السجود إذ يبعثون يوم القيامة غُراً محجلين من آثار الوضوء {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} وفي الدنيا عليهم يسما التقوى والصلاح والتواضع واللين والرحمة. وقوله تعالى: {ذلك} أي المذكور {مثلهم في التوراة} {ومثلهم في الإِنجيل كزرع أخرج شطأه} أي فراخه {فآزره} أي قواه وأعانه {فاستغلظ} أي غلظ {فاستوى} أي قوي {على سوقه} جمع ساق ما يحمل السنبلة من أصل لها {يعجب الزراع} أي الزارعين له وذلك لحسنه وسلامة ثمرته وقوله تعالى: {ليغيظ بهم الكفار} أي قواهم وكثرهم من أجل أن يغيظ بهم الكفار ولذا ورد عن مالك بن أنس رحمه الله تعالى أن من يغيظه أصحاب رسول الله فهو كافر وقوله: {وعد الله الذي آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} أي لذنوبهم {وأجراً عظيما} هو الجنة.
هذا وعد خاص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم وهناك وعد عام لسائر المؤمنين والمؤمنات وذلك في آيات أخرى مثل آية المائدة {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم}

.من هداية الآية الكريمة:

1- تقرير نبوة رسول الله وتأكيد رسالته.
2- بيان ما كان عليه رسول الله وأصحابه من الشدة والغلظة على الكفار والعطف والرحمة على أهل الإِيمان وهذا مما يجب الأتساء بهم فيه والاقتداء.
3- بيان فضل الصلاة ذات الركوع والسجود والطمأنينة والخشوع.
4- صفة أصحاب رسول الله في كل من التوراة والإِنجيل ترفع من درجتهم وتعلي من شأنهم.
5- بيان أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأوا قليلين ثم أخذوا يكثرون حتى كثروا كثرة أغاظت الكفار.
6- بُغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافى مع الإِيمان منافاة كاملة لاسيما خيارهم وكبارهم كالخلفاء الراشدين الأربعة والمبشرين بالجنة العشرة وأصحاب بيعة الرضوان، وأهل بدر قبلهم.
ولذا روي عن مالك رحمه الله تعالى: أن من يغيظه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر.

.سورة الحجرات:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}: أي لا تتقدّموا بقول ولا فعل إذ هو من قدم بمعنى تقدم، كمن ذبح يوم العيد قبل أن يذبح رسول صلى الله عليه وسلم، وكإِرادة أحد الشيخين تأمير رجل على قوم قبل استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
{واتقوا الله إن الله سميع عليم}: أي خافوا الله انه سميع لأقوالكم عليم بأعمالكم.
{لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}: أي إذا نطقتم فوق صوت النبيّ إذا نطق.
{ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}: أي إذا ناجيتموه فلا تجهروا في محادثتكم معه كما تجهرون فيما بينكم إجلالا له صلى الله عليه وسلم وتوقيراً وتقديراً.
{أن تحبط أعمالكم}: أي كراهة أن تبطل أعمالكم فلا تُثابون عليها.
{وأنتم لا تشعرون}: بحبوطها وبطلانها. إذ قد يصحب ذلك استخفاف بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لاسيما إذا صاحب ذلك إهانة وعدم مبالاة فهو الكفر والعياذ بالله.
{يغضون أصواتهم عند رسول الله}: أي يخفضونها حتى لكأنهم يسارونه ومنهم أبو بكر رضي الله عنه.
{امتحن الله قلوبهم للتقوى}: أي شرحها ووسعها لتتحمل تقوى الله. مأخوذ من محن الأديم إذا وسعه.
{لهم مغفرة وأجر عظيم}: أي مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم وهو الجنة.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} لو بحثنا عن المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها لتجلت لنا وتاضحة إذا رجعنا بالذاكرة إلى موقف عمر رضي الله عنه وهو يريد أن لا يتم صلح بين المؤمنين والمشركين، وإلى موقف الصحابة كافة من عدم التحلل من إحرامهم ونحر هداءاهم والرسول يأمر وهُم لا يستجيبون حتى تقدمهم صلى الله عليه وسلم فنحر هديه ثم نحروا بعده وتحللوا، إذ تلك المواقف التي أشرنا إليها فيها معنى تقديم الرأي بين يدي الله ورسوله وفي ذلك مصرة لا يعلم مداها إلاّ الله، ولما انتهت تلك الحا لوذلك الظرف الصعب أنزل الله تعالى قوله: {يا أيها الذين آمنوا} أي بالله رباً وإلهاً وبالإِسلام شرعة ودينا وبمحمد نبيّا ورسولا ناداهم بعنوان الإِيمان ليقول لهم ناهيا {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} أي قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فكرا أي لا تقولوا ولا تعلموا إلا تبعا لما قال الله ورسوله، وشرع الله ورسوله {واتقوا الله} في ذلك فإِن التقدم بالشيء قبل أن يشرع الله ورسوله فيه معنى أنكم أعلم وأحكم من الله ورسوله وهذه زلّة كبرى وعاقبتها سوأى. ولذا قال: {واتقوا الله إن الله سميع} أي لأقوالكم {عليم} بأعمالكم وأحوالكم. ومن هنا فواجب المسلم أن لا يقول ولا يعمل ولا يقضي ولا يُفتَي برأيه إلا إذا علم قول الله ورسوله وحكمهما وبعد أن يكون قد علم أكثر أقوال الله والرسول وأحكامهما، فإّذا لم يجد من ذلك شيئا اجتهد فقال أو عمل بما يراه أقرب إلى رضا الله تعالى فإِذا لاح له بعد ذلك نص من كتاب أو سنة عدل عن رأيه وقال بالكتاب والسنة.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (1) أما الآية الثانية (2) وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فإِنها تطالب المسلم بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولا نهاهم رضي الله عنهم عن رفع أصواتهم فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هم تحدثوا معه وأوجب عليهم إجلال النبي وتعظيمه وتوقيره بحيث يكون صوت أحدهم إذا تكلم مع رسول الله أخفض من صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا كلّم رسول الله يساره الكلام مسارة وثانيا نهاهم إذا هم ناجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض بل يجب عليهم توقيره وتعظيمه. وأعلمهم أنه يخشى عليهم إذا هم لم يوقروا رسول الله ولم يجلوه أن تحبط أعمالهم كما تحبط بالشرك والكفر وهم لا يشعرون. إِذْ رَفْعُ الصوت للرسول ونداؤه بأعلى الصوت يا محمد أو يا نبيّ الله ويا رسول الله وبأعلى الأصوات إذا صاحبه استخفاف أو إهانة وعدم مبالاة صار كفراً محبطاً للعمل قطعا. وفي الآية الثالثة (3) يثني الله تعالى على أقوام يغضون أصواتهم أي يخفضونها عند رسول الله أي في حضرته وبين يديه كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما هؤلاء يخبر تعالى أنه امتحن قلوبهم للتقوى أي وسعها وشرحها لتحمل تقوى الله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثا، ويذكر لهم بشرى نعم البشرى وهي أن لهم منه تعالى مغفرة لذنوبهم، واجراً عظيما يوم يلقونه وهو الجنة دار المتقين جعلنا الله منهم بفضله ورحمته.

.من هداية الآيات:

1- لا يجوز للمسلم أن يقدم رأيه أو اجتهاده على الكتاب والسنة فلا رأي ولا اجتهاداً إلاّ عند عدم وجود نص من كتاب أو سنة وعليه إذا اجتهد أن يكون ما اجتهد فيه أقرب إلى مراد الله ورسوله، أي الصق بالشرع، وإن ظهر له بعد الاجتهاد نص من كتاب أو سنة عاد إلى الكتاب والسنة وترك رأيه أو اجتهاده فوراً وبلا تردد.
2- بما أن الله تعالى قد قبض إليه نبيّه ولم يبق بيننا رسول الله نتكلم معه أو نناجيه فنخفض أصواتنا عند ذلك فإِن علينا إذا ذكر رسول الله بيننا أو ذكر حديثه أن نتأدب عند ذلك فا نضحك ولا نرفع الصوت، ولا نظهر أي استخفاف أو عدم مبالاة وإلا يخشى علينا أن تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.
3- على الذي يغشون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرفعوا أصواتهم فيه إلا لضرورة درس أو خطبة أو أذان أو إقامة.

.تفسير الآيات (4- 8):

{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}

.شرح الكلمات:

{إن الذين ينادونك من وراء الحجرات}: أي حجرات نسائه والذين نادوه وفد من أعراب بني تميم منهم الزَّبرقان بن بدر والأقراع بن حابس وعيينة بن حصن.
{أكثرهم لا يعقلون}: أي فيما فعلوه بمحلك الرفيع ومقامك السامي الشريف.
{ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم}: أي ولو أنهم انتظروك حتى تخرج بعد قيامك من قيلولتك.
{لكان خيراً لهم}: أي من ذلك النداء بأعلى أصواتهم من كل أبواب الحجرات.
{والله غفور رحيم}: أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذا أساءوا مرتين الأولى برفع أصواتهم والثانية كانوا ينادونه ويقولون أن اخرج إلينا فإِن مدحنا زين وذمنا شين.
{فاسق بنبأ}: أي ذو فسق وهو المرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب والنبأ الخير ذو الشأن.
{فتبيّنوا}: أي تثبتوا قبل أن تقولوا أن تفعلوا أو تحكموا.
{أن تصيبوا قوما بجهالة}: أي خشية إصابة قوم بجهالة منكم.
{فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}: أي فتصيروا على فعلكم الخاطئ نادمين.
{واعلموا أن فيكم رسول الله}: أي فاحذروا أن تكذبوا أو تقولوا الباطل فإِن الوحي ينزل وتفضحون بكذبكم وباطلكم.
{لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم}: أي لوقعتم في المشقة الشديدة والإِثم أحيانا.
{وكره إليكم الكفر والفسوق}: أي بغَّض إلى قلوبكم الكفر والفسوق كالكذب والعصيان بترك واجب أو فعل محرم.
{أولئك هم الراشدون}: أي الذين فعل ما فعل من تحبيب الإِيمان وتكريه الكفر وما ذكر معه هم الراشدون أي السالكون سبيل الرشاد.
{فضلا من الله ونعمة}: أي أفضل بذلك عليهم فضلا وأنعم إنعاما ونعمة.
{والله عليم حكيم}: أي عليم بخلقه وما يعملون حكيم في تدبيره لعباده هذا بعامة وبخاصة عليم بأولئك الراشدين حكيم في إنعامه عليهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تأديب المؤمنين إزاء نبيهم صلى الله عليه وسلم فقد عاب تعالى أقواما معهم جفاء وغلظة قيل انهم وفد من أعراب بني تميم منهم الزبرقان بن بدر، والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن جاءوا والرسول قائل وقت القيلولة ووقفوا على أبواب الحجرات ينادون بأعلى أصواتهم يا محمد يا محمد صلى الله عليه وسلم أن اخرج إلينا فإِن مدحنا زين وإن ذمنا شين فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية الكريمة تأديبا لهم {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} حجرات نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أبواب الحجرات إلى المسجد. {أكثرهم لا يعقلون} أي فيما فعلوه بمقام الرسول الشريف ومكانته الرفيعة. {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم} بعد هبوبك من قيلولتك {لكان خيراً} أي من ذلك النداء بتعالي الأصوات من وراء الحجرات وقوله تعالى: {والله غفور رحيم} أي غفور لمن تاب منهم رحيم بهم إذ لم يعجل لهم العقوبة وفتح لهم باب التوبة وأدبهم ولم يعنف ولم يغلظ، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (6): {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإِ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} هذه الآية وإن كان لها سبب في نزولها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأتي بزكاة أموالهم، وكان بينهم وبين أسرة الوليد عداء في الجاهلية فذكره الوليد وهاب أن يدخل عليهم دارهم وهموا بقتله فهرب منهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهمَّ بغزوهم.
وما زال كذلك حتى أتى وفد منهم يسترضي رسول الله ويستعتب عنده خوفا من أن يكون قد بلغه عنهم سوء فأخبروه بأنهم على العهد وأن الوليد رجع من الطريق ولم يصل إليهم وبعث الرسول خالد بن الوليد من جهة فوصل إليهم قبل المغرب فإِذا بهم يؤذنون ويصلون المغرب والعشاء فعلم أنهم لم يرتدوا وأنهم على خير والحمد لله. وجاء بالزكوات وأنزل الله تعالى هذه الآية قلت إن هذه الآية وإن نزلت في سبب معين فإنها عامة وقاعدة أساسية هامة فعلى الفرد والجماعة والدولة أن لا يقبلوا من الأخبار التي تنقل إليهم ولا يعملوا بمقتضاها إلا بعد التثبت والتبين الصحيح كراهية أن يصيبوا فرداً أو جماعة بسوء بدون موجب لذلك ولا مقتضٍ الاقالة سوء وفرية قد يريد بها صاحبها منفعة لنفسه بجلب مصلحة أو دفع مضرة عنه. فالأخذ بمبدأ التثبت والتبين عند سماع خبر من شخص لم يعرف بالتقوى والاستقامة الكاملة والعدالة التامة واجب صونا لكرامة الأفراد وحماية لأرواحهم وأموالهم. والحمد لله على شرع عادل رحيم كهذا. فقوله: {إن جاءكم فاسق} المراد بالفاسق من يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب كالكذب مثلا، والنبأ الخبر ذو الشأن والتبيّن التثبت وقوله: {أن تصيبوا قوما بجهالة} أن تصيبوهم في أبدانهم وأموالهم بعدم علم منكم وهي الجهالة وقوله: {فتبحوا على ما فعلتم نادمين} أي من جرَّاء ما اتخذتم من أجراء خاطئ، وقوله تعالى في الآية (7): {واعلموا} يلفت الربّ تعالى نظر المسلمين إلى حقيقة هم غافلون عنها وهو وجود الرسول صلى الله عليه وسلم حيّاً بينهم ينزل عليه الوحي فإِن هذه حال تتطلب منهم التزام الصدق في القول والعمل وإلاّ يفضحهم الوحي فوراً إن هم كذبوا في قول أو عمل كما فضح الوليد لما أخبر بغير الحق. هذا أولا وثانيا لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيعهم في كل ما يرونه ويقترحونه لوقعوا في مشاكل تُعرّضهم لمشاق لا تطاق، بل وفي آثام عظام. هذا معنى قوله تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} وقوله: {ولكن الله حبب إليكم الإِيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} فوقاكم كثيرا من أن تكذبوا على رسولكم أو تقترحوا عليه أو تفرضوا آراءكم.
وقوله: {أولئك هم الراشدون} أي أولئك أصحاب رسول الله هم السالكون سبيل الرشاد فلا يتهوكون ولا يضلون وقوله: {فضلا من الله ونعمة} أي هدايتهم كانت فضلا من الله ونعمة، والله عليم بهم وبنياتهم وبواعث نفوسهم حكيم في تدبيره فأهَّل أصحاب رسول الله للخير وأضفاه عليهم فهم أفضل هذه الأمة على الاطلاق ولا مطمع لأحد أتى بعدهم أن يفوقهم في الفضل والكمال في الدنيا ولا في الآخرة فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين وعنا معهم آمين.

.من هداية الآيات:

1- بيان سمو المقام المحمدي وشرف منزلته صلى الله عليه وسلم.
2- وجوب التثبت في الأخبار ذات الشأن التي قد يترتب عليها أذى أو ضرر بمن قيلت فيه، وحرمة التسرع المفضي بالأخذ لاظنة فيندم الفاعل بعد ذلك في الدنيا والآخرة.
3- من أكبر النعم على المؤمن تحبيب الله تعالى الإيمان إليه وتزيينه في قبله، وتكريه الكفر إليه والفسوق والعصيان وبذلك أصبح المؤمن أرشد الخلق بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.